رسالة في التربية بين التعمية و التورية

 


بقلم : د.نور الدين منى

متابعة : روعة محسن الدندن


لا كتبٌ سماويةٌ نفعتْ..ولا نظرياتٌ اجتماعية- تربوية أفلحتْ...

في مملكة " الكروش و العروش"..

ومن كثرة ما فتشتُ..وتألّمتُ..قلتُ في خَلدي...

وهل أنا أفضلُ من النبي آدم (ع) ، وقد أزلّه إبليس..!! 

لماذا لا يزلني ولو لفترة بسيطة..ويَسري بي في عالمه الشيطاني، 

علّني أعرفُ، كيف يتم إعداد أبناء الجيل ليكونوا عبيداً

في مطابخ وبلاط السلاطين..!! 

والحقُ يقال فقد أسرى بي أميرُ الجان..إلى حديقة يتمُّ

فيها التدريبُ و التأهيل.


فوجدتُ نفسي أمام باب قاعة، كُتِبَ عليها 

"تربّى ، تعلّم ، لتصبح عبداً"، 

وبجانبها قاعة أخرى كتب عليها 

" تربى ، تعلم ، لتصبح قائداً حراً"..

سألني أميرُ الجان أن أدخلَ القاعة الأولى دون اعتراض..


وجدتُ داخل القاعة سيدةً شقراءَ فاتنة..و آية في الجمال 

وكانت تحاضر..وعرفت أن اسمها

"حواء" ويجلس على رأس الطاولة رجل اسمه " آدم" 

وكان يرأس الجلسة..والحضورُ مكوَّنٌ من ثلاثين شخصاً ؛ موزعين 

من جنس آدم ومن جنس حواء..يجلسون ، 

لا أوارق بين أيديهم ولا أقلام ، فقط ينظرون..!! 

سألتْني حواءُ أن أجلسَ على كرسيٍّ في زاوية ؛ كوني ضيفاً.

عندما هممتُ أن أمسكَ دفتري و قلمي ؛ لأدوّن المعلومات...

ابتسمتْ وقالت : 

أنتَ ضيفٌ من مملكة "الكروش و العروش"....

ولا يُسمح للحاضرين هنا باستعمال الورقة و القلم...

احفظْ ما تسمعُ. 


حسبتُ الجمهورَ كله ؛ 

وكأنهم خشب مسنّدة ، وهم مبهورون بجمالها. كانتِ المعلوماتُ

تخرجُ من فمها ، وتدخلُ آذانهم ، وتخرجُ ثانيةً من أعقاب أحذيتهم . الكلُّ مفتونٌ بجمالها حتى النساء..لا بحساسية و أهمية المعلومات..


وراحتْ تشرحُ ، و تقول :

من متلازمات مرحلة الطفولة وحتى المراهقة ؛ تقومُ الأمُّ بصنع القرار في الاختيار ؛ للطعام واللباس والألعاب والأصدقاء...

وعلى المرأة في ممالك (الكروش والعروش ، العقول الخاوية، عُمْيّ البصيرة) التركيزُ على إظهار أولادها بأنهم الأجملُ ، الأقوى ، والأذكى ، والأغنى... ومتابعة الضغط وحقنهم بأي وسيلة ؛ ليتفوَّقوا في المدرسة على أقرانهم ؛ مع تقديم الإغراءات المادية وغير المادية ، 

ودون وضوح الهدف ولا معرفة الإمكانيات.


وتتابع السيدة حواء...

عليكم بإغراق الصبي المراهق بأحلام ؛ ترضي غرور أهله لا غرور وطنه..دون معرفة طاقته الاستيعابية وطموحاته ؛ وحتى لو أدى به المطاف إلى الجنون لاحقاً أو الانتحار..أو زيارة العيادات النفسية 

و العصبية ، المهمُّ هو إسعاد الأم وإرضاء تباهيها وغرورها ؛ 

والأب أيضاً.


علّموا أولادَكم الأنانية ، وحبَّ الذات ، وإذا تفوّق أحد زملائه عليه بالمدرسة..شجعوه أن يتّفقَ مع شلّته لضربه.. 

والاعتداء عليه...صحيح أن هذا الأسلوب ؛ يولّدُ الكراهيةَ للطفل

لأقرانه والحسدَ والبغضاء، لكن قد يرسمُ البسماتِ على وجه

بعض الآباء والأمهات.


إيّاكم ، إيّاكم أن تطوّروا عند أولادكم 

" روح الفريق في العمل ، والمشاركة.. وإياكم من توسيع مداركه/مداركها ، لتعلّم مفهوم العمل التشاركي من خلال المؤسسات.." 

عندما تعرفون هذا النهج.. وتبتسمُ حواءُ الشقراء.. 

فإن أولادَكم ستصابُ بأشياءَ بسيطة ، لا تقلقوا منها مثل

(انفصام في الشخصية ، انزواء في الغرف بعد نتائج البكالوريا ؛ لأن أهداف و طموحات الأهل لم تلب ، اعتكاف الطلبة في غرف معزولة يرافقها لاحقاً ؛ زيارات سرية للعيادات العصبية والنفسية..).


حاوِلوا قصارى الجهد أن تطوّروا ظاهرةَ " الشخصنة في عقل أولادكم" واقتلوا عندهم مفهوم الموضوعية في التحليل والتفكير " ، لأن ذلك يجعله ضعيفاً في صنع القرار..

و يكون تابعاً طيّعاً و رائعاً للأوامر و النواهي ؛ من أصحاب العليّة..


إيّاكن يا سيّداتِ النعمِ المفاجئة..

وأصحاب المقامات المخملية المصطنعة ؛ في مملكتكم ،

أن تعلّموا أولادَكم "مفهوم التعبير عن الذات" ، حاولوا أن لا يعرفَ

الابن أو الابنة ذاته أو ذاتها ؛ من ذات غيره في مطبخ السلطان.. التشويش أساس ذلك.


اقضوا على روح الطموح عندهم ، 

و فقط علّموهم كيف يطمحون لإرضائكم..اعملوا بعكس

ما قال جبران : ( أولادكم ليسوا لكم.. أولادكم أولاد الحياة.....).


وتتابعُ حوّاءُ الفاتنة قائلةً : 

انتبهوا ، وإياكم أن تدعوا أولادكم يتعلموا من الغرب ؛ نظريات تطوير مفهوم آليات صنع القرار مثل ( مفهوم الاختيار، وضع الأولويات ، اختيار الأنسب ضمن الامكانيات المتاحة ، الحوار و قبول الرأي الآخر،التعبير عن الذات وتطويرآلية التفكير) لأنها مفاهيم رأسمالية مضرة لكم و لممالككم.. وباختصار؛ تابعوا ، وثابروا تعليم أولادكم ، وتلقينهم " مفهوم القبلية و العصبية " ؛ دون تفكّر أو رويّة .. 


وإياكم أن تعدّوا أولادكم (لسوق العمل الدولية) ، 

فتتلوثَ أفكارُهم ، ويخرجوا عن طاعتكم..!! تابعوا ، و ثابروا

أن تنسخوا أبناءكم صورة عنكم ، حتى لو كانوا أو كنتم تعانون 

من أمراض نفسية أو عضوية..


فمثلاً في الجامعات ؛ 

علّموهم أن لا يصارحوا آباءهم ، لأي صفّ وصلوا...

ومتى يتخرجون..وكم مقرر به راسبون..اتّبعوا آلياتِ التورية والتعمية في حياتكم ؛ في كل شيء..الأمُّ تخفي معلوماتٍ عن زوجها...

والزوج عن زوجته ، والكل يخفي المعلومات عن الكل ،

وعندما تُكشفُ الأمور، تشتعلُ نيرانُ الشجار في الأسرة....

يرتاحُ عندها أميرُ الجانِ مبتهجاً ؛ في غرف نومكم.


دائماً انصروا أولادكم على الخطأ وعلى ظلم الآخرين ؛ 

ضد أقرانهم و أقربائهم و معلميهم و جيرانهم...

وحتى لو تطاولوا على مدرسيهم .. وإن دعت الضرورة ،

اكتبوا تقارير أمنية مزوّرة ، حتى تُنصَفَ فلذات أكبادكم....

وحتى ألخص لكم المفاهيم الرائعة التي شرحتُها لكم....


لا تحدّدوا "عمراً زمنياً لأبنائكم ليصبحوا من أصحاب القرار

" اتركوهم تابعين لكم حتى تسهل قيادتهم في شركات وممالك النفط والغاز واللؤلؤ والمرجان وصيد الأسماك..

طوّروا عندهم مفهوم "القبلية و التابعية" دون إدراك و عن حسن نية ، واجعلوهم يتصرفون حسب مفهوم العصبية و القبيلة ، بحيث أن أبناءهم من طلبة الجامعات ؛ اذا اختلف الأب أو الأم أو الاثنين معاً 

مع السمّان أو الجار أو القريب ، تداعتْ له سائرُالأسرة في

اجتماعات ليلية بقيادة "سلطان الجان" ،

الذي يفوِّضُ عنه الجدات والأمهات ؛ بإعطاء حقنات مسائية للذم والقدح ، وحتى لو كانت الأم والأب خريجي "مدرسة الجاهلية" ، وإبليسُ في عليائه يضحك و يسخر... 

وكلما زادتْ دائرةُ العصبية ، و كبرتْ ، انتشت أهل الرعية لأخذ

موقف موّحد حول القضية..وحتى أصحاب الشهادات الورقية والمعارف يتصرفون بالجهالة و عدم الرويّة..


وبهذا يكون الإعداد رائعاً للشباب...

بحيث يصبح الشاب كالطائر الصغير في القفص..لا يتمتع بالطيران 

ولا يتمتع إلا بالأكل والنوم و الزقزقة ، ليطربَ أطفالَ سيِّده...

وحتى لو فتحتَ له باب القفص.. رفضَ الخروج....

وبقي يتمتعُ بالأسر والعبودية ، لأنه يشعرُ، و يدركُ أن الحريةَ 

خارجَ القفص عبءٌ عليه...

علّموا أبناءكم أن يكرهوا "التفكير" ، ويكرهوا حتى الرغبة بالتفكير ، حتى تبتهجَ أمُّه وكذلك أبوه... 

وبهذا تكونوا قد أعددتم شعباً مُدجّناً و مؤهلاً ، لإيجاد وظائف 

لإشباع الكروش في ممالك الكروش و العروش.


وعندما انتهتِ المحاضرةُ....

طلبتْ مني حوّاءُ الشقراء أن أبقى قليلاً ، بعد أن انصرفَ الجميعُ... 

وراح ذهني بعيداً.. وطار..إلى نبي الله يوسف (ع)..

ورحتُ أتساءلُ : هل ستهمُّ بيّ ، وأهمُّ بها ؟!....

فنحن أهل مملكة "الكروش و العروش" لا يهمّنا لا تربية جيل

ولا قراءة.. إلا هَمّ بها و هَمّتْ به..!! 

والشريط يتسارعُ ، هل ستراودني عن نفسي... 

هل ستغلقُ الأبوابَ ، وليس هناك إلا بابٌ واحدٌ....

وهل أستطيعُ أن أحذوَ حذوَ النبي يوسف ، وأقولُ :

معاذ الله أن ربي أحسن مثواي....!!.


وعندما اقتربتُ منها كثيراً..والقلبُ يخفقُ..

سلّمتْ عليَّ بيدها وقالتْ : 

لا داعي لحضورك هنا ثانيةً....

إن من نسائكم ورجالكم ومؤسساتكم التربوية و التعليمية ، 

ما يكفي لنشرِ ثقافةِ آليّاتِ تأهيلِ أبنائِكم ؛ 

للعمل في المطابخ و البلاط. 


* ملاحظة : نشرت المقال لأول مرة بتاريخ ( ٢ كانون الثاني ٢٠١٦ )


٢ كانون الثاني ٢٠٢٢

نور الدين منى

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

شباب المفرجية يصحو من نومه العميق بعد جريمة القتل البشعة

" الناتو العربي " أو " ناتو شرق أوسطي " ! بقلم: الدكتور نور الدين منى

وتتجلي الحقيقة في ابهي صورها وتدخلين وتخرجين!!!!؟؟