الدين ليس مجرد عقيدة تستكين في الضمير ،ولا هو شعارات تقام وعبادات ،ولا مجرد تنظيم دنيوي منقطع الصلة بالعقيدة وبالشعائر التعبدية .لأن التشريعات والتوجهات -في منهج الله- تنبثق جميعها من أصل واحد ،وترتكز على ركيزة واحدة .فهي تنبثق من العقيدة في الله وترتكز على التوحيد المطلق سمة هذه العقيدة .ومن ثم يتصل بعضها ببعض،ويتناسق بعضها مع بعض،ولا يمكن فصل جزئية منها عن جزئية لتكون دراسة أي منها ناقصة بدون الرجوع إلى أصلها الكبير الذي تلتقي عنده فيصبح العمل ببعضها دون البعض الآخر غير واف بتحقيق صفة الإسلام
والإسلام يأمر بعبادة الله وحده ،والنهي عن اشراك شيء به،ويربط بين هذا الأمر وهذا النهي وتنظيم الأسرة
ودل على ذلك بقوله تعالي
*( واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا.وبالوالدين إحسانا..)النساء٣٦
* (وقضى ربك ألا تعبدوا إياه وبالوالدين إحسانا) الإسراء ٢٣
*(لا تعبدوا إلا الله وبالوالدين إحسانا) البقرة ٨٣
*( قل تعالوا أتلُ ماحرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا) الانعام ١٥١
إن هذا الاتصال بعبادة الله وتوحيده والإحسان إلى الوالدين جعله الله واسطة مابين دستور الأسرة القريبة ودستور العلاقات الإنسانية الواسعة ليصلهما جميعا بتلك الآصرة التي تضم الأواصر جميعا، إن الإسلام ينشىء عاطفة الرحمة،ووجدان المشاركة ،فهو يبدأ في البيت .في الأسرة الصغيرة .والتشريع الإسلامي بعد أن يضع القاعدة ويقيم الاساس بتوحيد المعبود يأتي التكليف..
فالرابطة الاولى بعد رابطة العقيدة ،هي رابطة الاسرة،ومن ثم يربط القرآن بر الوالدين بعبادة الله ،إعلانا لقيمة هذا البر عند الله .
إن الوالدين يندفعان بالفطرة إلى رعاية الاولاد ،والتضحية بكل شيء حتى الذات .وكما تمتص النبتة الخضراء كل غذاء في الحبة فإن هي فتات،ويمتص الفرخ كل غذاء في البيضة فإذا هي قشرة ؛ كذلك يمتص الأولاد رحيق كل عافية وكل جهد وكل اهتمام من الوالدين فإذا هم شيخوخة فانية - إن امهلهما الاجل - وهما مع ذلك سعيدان
وأما الأولاد فسرعان ماينسون هذا كله ،ويندفعون بدورهم إلى الامام .إلى الزوجات والذرية..وهكذا تندفع الحياة
وهؤلاء يحتاجون إلى استجاشة وجدانهم بقوة ليذكروا واجب الجيل الذي أنفق رحيقه كله حتى أدركه الجفاف!
وهنا يجيء الأمر بالإحسان إلى الوالدين في صورة قضاء من الله يحمل معنى المؤكد ،بعد الامر المؤكد بعبادة الله:
"وقضى ربك الا تعبدو الا اياه وبالوالدين احسانا اما يبلغن عندك الكبر احدهما او كلاهما فلا تقل لهما اف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما واخفظ لهما جناح الرحمة وقل ربي ارحمهما كما ربياني صغيرا"
وهو لكلا الجنسين وليس أمر الله لجنس دون الأخر ولذلك يجب أن يعين الزوج زوجته على البر والإحسان كما يفرض عليها نفس الامر
لان هذه الوصية لجنس الإنسان كله ( ووصينا الإنسان بوالديه إحسانا )
وهي قائمة على أساس الإنسانية ،وبدون حاجة إلى صفة اخرى وراء كونه إنسانا .كما أنها وصية مطلقة من كل شرط ومن كل قيد .فصفة الوالدية تقضي هذا الإحسان بذاتها،بدون حاجة إلى أية صفة اخرى كذلك
وهي صادرة من خالق الإنسان وربما كانت خاصة بهذا الجنس أيضا.فما يعرف في عالم الطير أو الحشرات أو الحيوان وما إليهما أن صغارها مكلفة برعاية كبارها .والمشاهد الملحوظة فقط تكليف فطرة هذه الخلائق أن ترعى كبارها صغارها في بعض الاجناس .ولذلك فإن الوصية ربما كانت خاصة بجنس الإنسان
تعليقات
إرسال تعليق